سورة النور - تفسير تفسير السيوطي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النور)


        


{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)}
أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [ النساء: 29] قالت الأنصار: ما بالمدينة مال أعز من الطعام. كانوا يتحرجون أن يأكلوا مع الأعمى يقولون: أنه لا يبصر موضع الطعام، وكانوا يتحرجون الأكل مع الأعرج يقولون: الصحيح يسبقه إلى المكان، ولا يستطيع أن يزاحم، ويتحرجون الأكل مع المريض يقولون: لا يستطيع أن يأكل مثل الصحيح، وكانوا يتحرجون أن يأكلوا في بيوت أقربائهم، فنزلت {ليس على الأعمى حرج} يعني في الأكل مع الأعمى.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مقسم قال: كانوا يكرهون أن يأكلوا مع الأعمى، والأعرج، والمريض، لأنهم لا ينالون كما ينال الصحيح فنزلت {ليس على الأعمى حرج...} الآية.
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وإبراهيم وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال: كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج والمريض إلى بيت أبيه، أو بيت أخيه، أو بيت أخته، أو بيت عمه، أو بيت عمته، أو بيت خاله، أو بيت خالته، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون: إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت هذه الآية رخصة لهم.
وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن النجار عن عائشة قالت: كان المسلمون يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدفعون مفاتيحهم إلى أمنائهم ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما احتجتم إليه، فكانوا يقولون: إنه لا يحل لنا أن نأكل إنهم أذنوا لنا من غير طيب أنفسهم، وإنما نحن أمناء، فأنزل الله: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا} إلى قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه}.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله وابن المسيب أنه كان رجال من أهل العلم يحدثون إنما أنزلت هذه الآية في أمناء المسلمين، كانوا يرغبون في النفير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، فيعطون مفاتيحهم أمناءهم ويقولون لهم: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا فيقول الذين استودعوهم المفاتيح: والله ما يحل لنا مما في بيوتهم شيء، وإن أحلوه لنا حتى يرجعوا إلينا، وانها لأمانة ائتمنا عليها، فلم يزالوا على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية، فطابت أنفسهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس قال: لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [ النساء: 29] قال المسلمون: إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، والطعام هو من أفضل الأموال، فلا يحل لأحد منا أن يأكل من عند أحد.
فكف الناس عن ذلك فأنزل الله: {ليس على الأعمى حرج} إلى قوله: {أو ما ملكتم مفاتحه} وهو الرجل يوكل الرجل بضيعته، والذي رخص الله أن يأكل من ذلك الطعام، والتمر، وشرب اللبن، وكانوا أيضاً يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره، فرخص الله لهم فقال: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: كان أهل المدينة قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالطهم في طعامهم أعمى، ولا مريض، ولا أعرج، لأن الأعمى لا يبصر طيب الطعام، والمريض لا يستوفي الطعام كما يستوفي الصحيح، والأعرج لا يستطيع المزاحمة على الطعام، فنزلت رخصة في مؤاكلتهم.
وأخرج الثعلبي عن ابن عباس قال: خرج الحارث غازياً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف على أهله خالد بن زيد، فحرج أن يأكل من طعامه، وكان مجهوداً، فنزلت.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأبو داود في مراسيله وابن جرير والبيهقي عن الزهري أنه سئل عن قوله: {ليس على الأعمى حرج} الآية ما بال الأعمى والأعرج والمريض ذكروا هنا؟ فقال: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله: أن المسلمين كانوا إذا غزوا أقاموا أوصاتهم، وكانوا يدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم يقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، وكانوا يتحرجون من ذلك يقولون: لا ندخلها وهم غيب فأنزلت هذه الآية رخصة لهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كان هذا الحي من بني كنانة بن خزيمة يرى أحدهم أن عليه مخزاة أن يأكل وحده في الجاهلية حتى إن كان الرجل بسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد ما يؤاكله، ويشاربه فأنزل الله: {ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة وأبي صالح قالا: كانت الأنصار إذا نزل بهم الضيف لا يأكلون معه حتى يأكل معهم الضيف، فنزلت رخصة لهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أو صديقكم} قال: إذا دخلت بيت صديقك من غير مؤامرته، ثم أكلت من طعامه بغير إذنه، لم يكن بذلك بأس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {أو صديقكم} قال: هذا شيء قد انقطع إنما كان هذا في أوله، ولم يكن لهم أبواب، وكانت الستور مرخاة، فربما دخل الرجل البيت وليس فيه أحد، فربما وجد الطعام وهو جائع، فسوّغ له الله أن يأكله قال: وذهب ذلك. اليوم البيوت فيها أهلها، فإذا خرجوا أغلقوا، فقد ذهب ذلك.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإِيمان عن ابن عباس في قوله: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} يقول: إذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أهلها تحية من عند الله؛ وهو السلام، لأنه اسم الله وهو تحية أهل الجنة.
وأخرج البخاري في الأدب وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة قال أبو الزبير: ما رأيته إلا أوجبه.
وأخرج الحاكم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخلتم بيوتكم فسلموا على أهلها، واذا طعمتم فاذكروا اسم الله، وإذا سلم أحدكم حين يدخل بيته وذكر اسم الله على طعامه يقول الشيطان لأصحابه: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا لم يسلم أحدكم ولم يسم يقول الشيطان لأصحابه: أدركتم المبيت والعشاء».
وأخرج البخاري في الأدب عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، فإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت وإن لم يذكر الله عند طعامه قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء».
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته يقول: «السلام علينا من ربنا التحيات الطيبات المباركات لله سلام عليكم».
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن عطاء قال: إذا دخلت على أهلك فقل: السلام عليكم تحية من عند الله مباركة طيبة، فإذا لم يكن فيه أحد فقل: السلام علينا من ربنا.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ماهان في قوله: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} قال: يقول السلام علينا من ربنا.
وأخرج الطبراني عن أبي البختري قال: جاء الاشعث بن قيس، وجرير بن عبدالله البجلي، إلى سلمان فقالا: جئناك من عند أخيك أبي الدرداء قال: فأين هديته التي أرسلها معكما؟ قالا: ما أرسل معنا بهدية قال: اتقيا الله، وأديا الأمانة، ما جاءني أحد من عنده إلا جاء معه بهدية قالا: والله ما بعث معنا شيئاً إلا أنه قال: اقرؤوه مني السلام قال: فأي هدية كنت أريد منكما غير هدية؟ وأي هدية أفضل من السلام تحية من عند الله مباركة طيبة؟
وأخرج الطبراني عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سره أن لا يجد الشيطان عنده طعاماً، ولا مقيلاً، ولا ميتاً، فليسلم إذا دخل بيته، وليسم على طعامه».
وأخرج ابن عدي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قام أحدكم على حجرته ليدخل فليسم الله فإنه يرجع قرينه من الشيطان الذي معه ولا يدخل، فإذا دخلتم فسلموا فأنه يخرج ساكنه منهم، وإذا وضع الطعام فسموا فإنكم تدحرون الخبيث إبليس عن أرزاقكم، ولا يشرككم فيها، وإذا ارتحلتم دابة فسموا الله حين تضعون أول حلس، فإن كل دابة معتقدة وإنكم إذا سميتم حططتموه عن ظهرها، وإن نسيتم ذلك شرككم في مراكبكم. ولا تبيتوا منديل الغمر معكم في البيت، فأنه بيت الشيطان ومضجعه، ولا تتركوا العمامة ممسية إذا جمعت في جانب الحجرة، فإنها مقعد الشيطان، ولا تسكنوا بيوتاً غير مغلقة، ولا تفترشوا الزبالا التي تفضي إلى ظهور الدواب، ولا تبيتوا على سطح ليس بمحجور، وإذا سمعتم نباح الكلاب أو نهيق الحمار فاستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم، فإنهما لا يريان الشيطان إلا نبح ونهق الحمار».
وأخرج ابن مردويه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «للاسلام ضياء وعلامات كمنار الطريق فرأسها وجماعها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وتمام الوضوء، والحكم بكتاب الله وسنة نبيه، وطاعة ولاة الأمر، وتسليمكم على أنفسكم، وتسليمكم إذا دخلتم بيوتكم، وتسليمكم على بني آدم إذا لقيتموهم».
وأخرج البزار وابن عدي والبيهقي في شعب الإِيمان عن أنس قال: أوصاني النبي صلى الله عليه وسلم بخمس خصال قال: «أسبغ الوضوء يزد في عمرك، وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك، وإذا دخلت بيتك فسلم على أهل بيتك يكثر خير بيتك، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك، يا أنس ارحم الصغير، ووقر الكبير، تكن من رفقائي يوم القيامة».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} قال: هو المسجد إذا دخلته فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير والبيهقي عن أبي مالك قال: إذا دخلت بيتاً فيه ناس من المسلمين فسلم عليهم، وإن لم يكن فيه أحد أو كان فيه ناس من المشركين فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في الأدب عن ابن عمر قال: إذا دخل البيت غير المسكون، أو المسجد، فيلقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: إذا دخلت بيتك وليس فيه أحد أو بيت غيرك فقل: بسم الله والحمد لله، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم والبيهقي عن قتادة في قوله: {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} قال: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، وإذا دخلت بيتاً لا أحد فيه فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه كان يؤمر بذلك، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {فسلموا على أنفسكم} قال: ليسلم بعضكم على بعض كقوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [ النساء: 29].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {فسلموا على أنفسكم} قال: إذا دخل المسلم على المسلم سلم عليه مثل قوله: {ولا تقتلوا أنفسكم} [ النساء: 29] إنما هو لا تقتل أخاك المسلم وقوله: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} [ البقرة: 85] قال: يقتل بعضكم بعضاً. قريظة، والنضير. وقوله: {جعل لكم من أنفسكم أزواجاً} [ الروم: 21] كيف يكون زوج الإِنسان من نفسه؟ إنما هي جعل لكم أرواحاً من بني آدم ولم يجعل من الإِبل والبقر وكل شيء في القرآن على هذا.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {فسلموا على أنفسكم} قال: بعضكم على بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: ما أخذت التشهد إلا من كتاب الله سمعت الله يقول {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة} فالتشهد في الصلاة «التحيات المباركات الطيبات لله».
وأخرج سعيد بن منصور عن ثابت بن عبيد قال: أتيت ابن عمر قبل الغداة. وهو جالس في المسجد فقال لي: ألا سلمت حين جئت؟ فانها تحية من عند الله مباركة.


{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}
أخرج ابن إسحاق وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن عروة ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما أقبلت قريش عام الأحزاب، نزلوا بمجمع الأسيال من بئر رومة بالمدينة قائدها أبو سفيان، وأقبلت غطفان حتى نزلوا بتغمين إلى جانب أحد، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، وضرب الخندق على المدينة وعمل فيه، وعمل المسلمون فيه، وابطأ رجال من المنافقين، وجعلوا يورون بالضعيف من العمل، فيتسللون إلى أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا اذن، وجعل الرجل من المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد منها، يذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق لحاجته، فيأذن له فإذا قضى حاجته رجع، فأنزل الله في أولئك المؤمنين {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع...} إلى قوله: {والله بكل شيء عليم} [ النور: 64].
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه} قال: ذلك في الغزو، والجمعة، وإذن الإِمام يوم الجمعة: أن يشير بيده.
وأخرج الفريابي عن مكحول في قوله: {وإذا كانوا معه على أمر جامع} قال: إذا جمعهم لأمر حزبهم من الحرب ونحوه لم يذهبوا حتى يستأذنوه.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: هي في الجهاد، والجمعة، والعيدين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {على أمر جامع} قال: من طاعة الله.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن ابن سيرين قال: كان الناس يستأذنون في الجمعة ويقولون: هكذا ويشيرون بثلاث أصابع. فلما كان زياد كثر عليه فاغتم فقال: من أمسك على أذنه فهو أذنه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مكحول في الآية قال: يعمل بها الآن في الجمعة والزحف.
وأخرج سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش قال: رأيت عمرو بن قيس السكوني يخطب الناس يوم الجمعة، فقام إليه أبو المدلَّهْ اليحصبي في شيء وجده في بطنه، فأشار إليه عمرو بيده أي انصرف، فسألت عمراً وأبا المدلَّهْ فقال: هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعون.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} قال: كانوا يقولون: يا محمد. يا أبا القاسم. فنهاهم الله عن ذلك اعظاماً لنبيه صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا نبي الله يا رسول الله.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يعني كدعاء أحدكم إذا دعا أخاه باسمه، ولكن وقروه، وعظموه، وقولوا له: يا رسول الله. ويا نبي الله.
وأخرج عبد الغني بن سعيد في تفسيره وأبو نعيم في تفسيره عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} يريد ولا تصيحوا به من بعيد: يا أبا القاسم. ولكن كما قال الله في الحجرات {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} [ الحجرات: 3].
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: أمرهم الله أن يدعوه: يا رسول الله. في لين وتواضع ولا يقولوا: يا محمد. في تجهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أمر الله أن يهاب نبيه، وأن يُبَجَّلَ، وأن يعظم، وأن يفخم، ويشرف.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في الآية قال: لا تقولوا يا محمد. ولكن قولوا يا رسول الله.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير والحسن. مثله.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم} يقول: دعوة الرسول عليكم موجبة، فاحذروها.
وأخرج سعيد بن منصور عن الشعبي في الآية قال: لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم على بعض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} قال: هم المنافقون. كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة- ويعني بالحديث الخطبة- فيلوذون ببعض الصحابة حتى يخرجوا من المسجد، وكان لا يصلح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة، وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل، لأن الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي يخطب بطلت جمعته.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل قال: كان لا يخرج أحد لرعاف، أو أحداث، حتى يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بأصبعه التي تلي الابهام، فيأذن له النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليه بيده، وكان من المنافقين من يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج، فأنزل الله: {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً}.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} قال: يتسللون عن نبي الله، وعن كتابه، وعن ذكره.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {لواذاً} قال: خلافاً.
وأخرج عبد بن حميد عن سفيان {قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً} قال: يتسللون من الصف في القتال {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة} قال: أن يطبع على قلوبهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن بن صالح قال: إني لخائف على من ترك المسح على الخفين أن يكون داخلاً في هذه الآية {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن يحيى بن أبي كثير قال: «نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يقاتلوا ناحية من خيبر، فانصرف الرجال عنهم وبقي رجل، فقاتلهم، فرموه، فقتلوه، فجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أبعد ما نهينا عن القتال؟ فقالوا: نعم. فتركه ولم يصل عليه».
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: أشد حديث سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله في سعد بن معاذ في أمر القبر. ولما كانت غزوة تبوك قال «لا يخرج معنا إلا رجل مُقْوٍ فخرج رجل على بكر له صعب، فصرعه، فمات فقال الناس: الشهيد الشهيد. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن ينادي في الناس لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة ولا يدخل الجنة عاص».
وأخرج عبد الرزاق عن زيد بن أسلم «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم وهو مستقبل العدو: لا يقاتل أحد منكم، فعمد رجل منهم ورمى العدو وقاتلهم، فقتلوه، فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم استشهد فلان فقال: أبعد ما نهيت عن القتال؟ قالوا: نعم. قال: لا يدخل الجنة عاص».
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك في قوله: {لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله} [ التوبة: 44] قال: كان لا يستأذنه إذا غزا إلا المنافقون. فكان لا يحل لأحد أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يتخلف بعده إذا غزا، ولا تنطلق سرية إلا باذنه، ولم يجعل الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لأحد حتى نزلت الآية {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع} يقول: أمر طاعة {لم يذهبوا حتى يستأذنوه} فجعل الاذن إليه يأذن لمن يشاء. فكان إذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس لأمر يأمرهم وينهاهم صبر المؤمنون في مجالسهم، وأحبوا ما أحدث لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يوحى إليه، وبما أحبوا وكرهوا، فإذا كان شيء مما يكره المنافقون، خرجوا يتسللون يلوذ الرجل بالرجل يستتر لكي لا يراه النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الله تعالى: إن الله تعالى يبصر الذين يتسللون منكم لواذاً.


{أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (64)}
أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {قد يعلم ما أنتم عليه} الآية. قال: ما كان قوم قط على أمر ولا على حال إلا كانوا بعين الله، وإلا كان عليهم شاهد من الله.
وأخرج أبو عبيد في فضائله والطبراني بسند حسن عن عقبة بن عامر قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية؛ يعني خاتمة سورة النور، وهو جاعل أصبعيه تحت عينيه يقول. «والله بكل شيء بصير» والله أعلم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13